Thursday, January 26, 2006

رحلات جليفر المصري 2

ملائكة رحمة أم ملائكة عذاب؟

ربما يؤمن بعضنا بالطب ورسالته السامية، ربما نحترم بعض الرموز وربما نقدس بعض المبادئ، لكننا في الحقيقة وللأسف عندما نصطدم بالواقع، ونواجه الحياة نكون وحوشا حقيقيين لا مراء في ذلك.
(1)
قاربت الساعة على السادسة مساء عندما كنت أجتاز طرقات المستشفى لتحضير الحالة، بدأت أراجع الطريقة المثلى للتعامل مع المرضى وكذلك تنبيهات الطبيب:
1- اطلب للمريض شاي، بس ما تشربش معاه.
2- ادي للمريض فلوس يشرب سجاير، بس ماتشربش معاه.
عندما اقتربت من القسم نصبت قامتي وتحركت بطريقة عسكرية، سألت عن اسم المريض ثم اتجهت إلى العنابر بحثا عن ضالتي، سألت عنه فأشار لي أحد المرضى إلى رجل في الثلاثينات من عمره يصلي في منتصف طرقة المستشفى، حقيقة.. فكرت في الصلاة خلفه حتى لا أفوت المغرب ولكن طبقا للقوانين:
1- لا تجعل المريض إماما لك.
2- لا يحق للطبيب الصلاة كالعامة في الطرقات.
لذلك انتظرت حتى فرغ من صلاته ثم اتجهت نحوه "ازيك يا حج جبريل" قطب حاجبيه وصغر لي بعينيه "نعم يا سيدي؟!" لم تبد لي إجابته مريحة، لذلك حاولت صنع جو من المرح "ايه يا عم؟! ايه اللي تاعبك؟" استنكر سؤالي ثم اندفع قائلا:"طين وزفت وعيشة قرف...ادي اللي تاعبني" هنا فقط علمت أني أمر باختبار صعب. عندما بدأ الحوار يحتد بيننا قاطعنا زميلي الذي حاول أن يلاطف المريض ولكن دون جدوى، فجأة قاطعنا صراخ أحد المرضى من شدة الإعياء ثم وقع من طوله....( طبعا صنع ذلك جوا من المرح والإثارة) هدأ كثيرا من غضب المريض، عاود زميلي سؤال المريض مرة أخرى الذي أجاب باقتضاب أحيانا وبسباب أحيانا أخرى، تظاهرت أنا بتفحص بعض أوراق التحاليل والأشعات، فجأة انفجر في لعن القسم الذي لبث فيه أكثر من 15 يوما، ثم حوله لقسم آخر الذي مكث فيه مدة مساوية "وكله تحت خدمة الطلبة".
(للعلم: المريض أجري وحاليا لا يعمل ولديه عقم وفتاق إربي)
حاول صديقي أن يطمئنه بأن الموضوع كلمتين وفحص صغير ونمشي، فاجأنا المريض بالوقوف على السرير ورفع الجلباب ووقف عاريا وسط العنبر "هو ده اللي حصل والله" ..تجمدنا أنا وزميلي من المنظر ثم سارعنا بجذبه ولقحنا الجلباب عليه..وتابع سبه للطلبة الذين جعلوه حقلا للتجارب..سعادته قال كمان إن الطلبة دول لما الواحد ربنا يفتح عليه ويفتح عيادة ما يعالجش كلب فيهم (طبعا احنا مش بيطري يا حاج) ويخلي كشفه بـ 50 جنيه (دمه خفيف الحج جبريل..الخمسين جنيه تعمل ايه اليومين دول) تركته أنا وزميلي بعد فحص سريع، وفي الصباح الباكر حاولت إكمال الشيت: اسمه وشغلته ..رفض تماما.
*حقائق:
1- أثرت الطبيب عليه مما دفعه لسباب المريض وطرده (أحسن!!) ولم يخل عامل الفصول من بعض السباب.
2- كنت في غاية الوحشية والدهاء ولكن المهم أن هناك دائما صيدا (لم أرغب أن يكون أنا).
(2)
حكى لي أحد طلبة السنة النهائية أن عاملا في الستينات من عمره يعاني من فتاق إربي، كان ذلك بالطبع صيدا ثمينا للطلبة فمريض فقير ضعيف كبير السن لن يرفض أشياء كثيرة (يا بختكم يا بتوع ساتة) لذا مال أحدهم على الطبيب وقال بخبث والشرر بيطق من عينيه:
" احنا ما عملناش PR خالص يا دكتور
اتسعت ابتسامة الطبيب وقال لبقية التشكيل العصابي:
"وماله يا ولاد... مش عيب برضه..يللا بينا..هجوووووووم !"
أولا داعب المريض (عشان يخدره..هو ده التخدير الموضعي) وأعلمه بالأمر رفض المريض وحاول الإفلات (فاكر ان دخول الحمام زي خروجه) حلف الطبيب بكافة أيمان المسلمين (والمسيحيين لزوم الوحدة الوطنية) أنه سيجعل جميع الطلبة يـ.......... (انتوا فاهمين طبعا..) واحد واحد .... وتعالت صيحات المريض من الألم مع كل يد. وهكذا تم اغتصاب البائس الذي خرج من غرفة الفصول وهو يباعد بين قدميه (كالطفل المطاهر حديثا) وتابعه الطلبة بضحكات ونظرات ظافرة.(3)أثناء أحد الروندات التي يخبرنا فيها الطبيب بكيفية التعرف على تضخم الكبد في مريض من السبعينات من عمره (مريض لقطة..لا فيه حيل يزعق ولا حتى فيه سنان يتكلم) يعاني من هزال شديد يهتز مع أنفاس زميلي. قام أحد زملائنا في ظفر وشماتة وقد ظفر بفريسة..تابعه الطبيب بترقب ثم فجأة قاطعه.." بالراحة"..(بالراحة ليه ما قلنا ما فهوش حيل يزعق) ابتسم الزميل وأخذت يده تجول في بطن المريض.. وتعالى الصراخ.

No comments: